أشرف العجرمي يكتب.... حملة تطوع: عودة الروح الوطنية...
تاريخ النشر: 08/06/2016 - عدد القراءات: 2122
أشرف العجرمي يكتب.... حملة تطوع: عودة الروح الوطنية...
أشرف العجرمي يكتب.... حملة تطوع: عودة الروح الوطنية...

ما كان يميز العمل التنظيمي لدى فصائل منظمة التحرير في الوطن في سنوات الثمانينات هو العمل التطوعي الذي لا يعبر فقط عن الانتماء الوطني للتنظيم والثورة ، بل وكذلك عن الانتماء للشعب والمجتمع. ففكرة العمل التطوعي تغرس في نفوس المواطنين، بغض النظر عن انتماءاتهم وآرائهم ومعتقداتهم الدينية والفكرية، مبدأ التكافل والتعاضد والتعاون والمحبة بين أبناء الشعب الواحد. وهي فكرة انسانية بامتياز تتعدى حتى التفكير القطري أو المجتمعي الضيق لتذهب إلى آفاق أبعد وأوسع تغطي مساحة البشرية جمعاء. وكانت التنظيمات الفلسطينية تتسابق على تشكيل لجان عمل تطوعي يشارك فيها الشباب والنساء والرجال من مختلف الأعمار وحتى الأطفال، و التي كانت مدخلاً لجذب الناس نحو العمل الوطني بمختلف أبعاده وأشكاله.
وقد حاربت إسرائيل اللجان التطوعية في ذلك الوقت لأنها اعتبرتها الدفيئة التي تخرج الكوادر التنظيمية المتمرسة في العمل الوطني. وأخرجت بعضها عن القانون وأصبحت تهمة تبرر الإعتقال والملاحقة. والجميل في تلك السنوات أن العمل التطوعي كان يضم الفلسطينيين من كل المناطق من الجليل وحتى النقب مروراً بالضفة وغزة ، فكانت تجمع الناس معسكرات التطوع لقطاف الزيتون وغرس الأشجار لحماية الأرض من المصادرة وتقديم الخدمات المختلفة ومساعدة المحتاجين وأعمال النظافة والبناء كل ما يمكن أن يخطر على البال. و تخللت هذه الأفعال الوطنية حفلات رقص الدبكة والغناء الوطني فكانت أشبه بالمهرجانات التي تنظم سنوياً وفصلياً وعند الحاجة.
وتجلى العمل التطوعي في ابهى صوره في فترة الانتفاضة المجيدة الأولى في عام 1987 حيث كانت اللجان الشعبية عبارة عن لجان تطوعية عملت على خدمة المواطنين وتوفير الدعم لهم في مختلف الأوقات بما فيها تحت الحصار والأطواق التي كانت تفرضها سلطلت الإحتلال على القرى والمخيمات والمدن الفلسطينية. وقامت وقتها بخرق الحصار وقدمت المعونات للمواطنين وقسم من المناضلين المنتمين للجان الشعبية تعرضوا للاعتقال والأذى بما في ذلك لإطلاق النار من قبل جيش الإحتلال لخرق الطوق والإغلاقات. ولكنهم لم يتركوا مكاناً إلا وقد وصلوا إليه وأغاثوا المحتاجين وقدموا العون حيث كانت الحاجة.
وللأسف الصورة اختلفت تماماً بعد إنشاء السلطة الوطنية وأصبحت الأمور بما فيها الأفعال الإيجابية تقاس بالمكاسب، وتراجعت قيم الإنتماء الوطني بما في ذلك قيمة العمل التطوعي النبيلة التي كانت سمة تميز العمل الوطني في مراحل سابقة. واصبحت الحسابات الذاتية الضيقة هي التي تتحكم بأداء العمل أو الواجب. وأضحت فكرة التطوع غريبة إلى حد بعيدز فلم نعد نشاهد الشباب منغمسين في عمل مجتمعي يهدف إلى خدمة المواطنين بشكل تطوعي ودون مقابل.
ولكن هذه الفترة التي غابت أو ضعفت فيها قيم الانتماء لم تطل لسبب رئيس وجوهري وهو أن الشعب الفلسطيني بخير لم ينس الكفاح ولم ينس حقوقه وفيه كوادر وقيادات لا تزال تحمل الوطن تحت جلودها. ونحن الآن نشهد عودة الروح إلى التطوع من جديد، وقد برزت خلال السنوات الثلاث الماضية بذور كانت مغطاة بغبار التغيرات الطارئة، وعاد العمل التطوعي ليبرز من جديد مع تشكيل منظمة «تطوع» التي قامت بسلسلة فعاليات تطوعية في مختلف المحافظات في الضفة الغربية من غرس اشجار وتنظيف وترميم وايام عمل طبية وتنظيم افطارات رمضانية للمحتاجين وقطف زيتون وجمع مساعدات لأبناء شعبنا في مخيم اليرموك وأعمال اخرى متنوعة. وما يميز فعاليات «تطوع» هو انها تتوسع باستمرار وينضم إليها الكثيرون الذين يساهمون بالعمل الميداني وبالتبرع المادي والعيني.
هذه تجربة ينبغي أن تعمم وتشمل المجتمع بأسره فالعودة للعمل التطوعي هي عودة للجذور، وعودة للقيم الجميلة التي كادت أن تنسى في غمرة الإنشغالات بالهموم اليومية والحسابات الصغيرة. والفكرة جميلة وإنسانية وسلمية لا يمكن لأحد أن ينتقدها، وهي بلا شك مدخل لتنقية العمل الوطني من الشوائب التي لحقت به ، حيث تحول إلى تنظير ومزايدات أكثر من الفعل الحقيقي على الأرض وفي الميدان.
والعمل التطوعي يمكن أن يكون نواة لكفاح سلمي واسع النطاق للتصدي لمماسات وإجراءات الإحتلال وفيما يتعلق بالحفاظ على الأرض وحمايتها من المصادرة ومواجهة سياسة الإستيطان التي تمثل الخطر الداهم والمباشر على المشروع الوطني. فلنبدأ بغرش الاشجار ومساعدة المواطنين في المناطق المهددة والمهمشة على الصمود وتكريس حضورهم وتقوية عزيمتهم. فكل شجرة زيتون تزرع تحمل الأمل وتوصل رسالة حضارية ذات مغاز انسانية عميقة لكل من لديه حس بقيمة الحياة ومحبة البشر. ودعونا نحاصر عدونا بقيمنا وحضارتنا الانسانية وثقافتنا وتاريخنا المغروس عميقاً في هذه الأرض. فنحن بحاجة للتركيز على عناصر قوتنا وإبرازها بعيداً عن الشعارات الكاذبة والمضللة التي لا يراد منها سوى الحصول على المكاسب. وليتأكد الجميع أن عدونا يخشى سلميتنا ويخشى توحدنا واتساع نشاطنا، وهو دائماً يسعى لوضعنا في المربع المريح له وهو مربع العنف، ولهذا يسارع إلى قمعنا بشدة مع كل تحرك شعبي أو جماهيري واسع ليدفعنا للرد بعنف ويفشل حركاتنا الشعبية السلمية، ويحتفظ بتفوقه العسكري علينا. وهو يقينا يعلم أن العالم مع قضيتنا ويؤيد نضال شعبنا ولكن السلمي والشعبي في هذه المرحلة.

تم طباعة هذا المقال من موقع منظمة تطوع (http://www.volpal.org)

© جميع الحقوق محفوظة

(طباعة)